8 أغسطس 2013

أغلى من الدم


يظن البعض أن سفك الدماء هو أسوأ الموبقات وأشدها أثرا وأعظمها خطرا ، وقد يكون هذا صحيحا من الناحية القانونية والشرعية وحتى في العرف القبلي. ولكن هناك جانب آخر هو التأثير الإجتماعي ؛ فالذي يموت يغادر الدنيا وأثر قتله قد يحصر في القصاص أو الدية او حتى عقوبة قانونية من نسج خيال مشرع بشري. لكن هناك من هو أسوأ حالا من المقتول المستريح ؛ إنه الحي بلاحياة.

وأقصد به هنا من جرد من كرامته وشرفه وكبرئياءه واتنزعت انسانيته ، والأسواء والأشد ألما من يفعل به ذلك أمام جموع البشر ينظرون ولا يحركون ساكنا. يحدث هذا بشتى الصور وفي كل الأزمنة ودائما ماترى ذلك المخلوق التعيس وهو في أشد محنته يتلقى جرعة الظلم أكثر مايأبه به هو البشر من حوله ينظر في أعينهم ؛ يستغيث بهم وفي نفس الوقت يسألهم لما أنتم نتظرون جامدين؟ أنت تشاهدونني أذبح بسكين تلمة أمامكم ؛ فلم لا تحركون ساكنا؟

يظنون دائما انه محظوظ لانه نجا بحياته وأي شئ آخر يمكن تعويضه ، ولكن هيهات لن يعود مرة أخرى كالإنسان الذي كان ؛ بل قد لا يعود مرة أخرى إنسانا.
سيعيش بلا حياة يعيد في ذاكرته مرار وتكرار وجوه من ظلموه ووجوه من شاهدوه وتركوهم ، خوفا أن ينسى وجها واحدا منهم . سينتظر يأكل ويشرب لا لشهوة بل ليحافظ على وظائفه الحيوية حتى تتاح له الفرصة فينتقم منهم جميعا وفرادى. هكذا يصنع أعداء المجتمع.

أكتب هذه السطور اول أيام عيد الفطر ، ليس لاني مريض بالإكتئاب ولكني أقدر شعور هؤلاء الذين يقبعون في ظلال الأسوار ينتظرون اللحظة المناسبة ، ولا يستطيعون حياة ولا عيشا ولا فرحا ولا عيدا. منهم كثيرون حصيلة ثلاث سنوات مضت فيما يسمى "الثورة المصرية" .

ومايهدهشني إلى حد ثغر الفاه ؛ أن البعض يجدون في أنفسهم الشجاعة كي يقولون لهم : لا تشمتوا !